
فبعد إنجاز مجلس الوزراء للتعيينات الأمنية والقضائية والإدارية، كان يُفترض إتمام التعيينات لملء الشواغر داخل المديريات والهيئات والمؤسّسات التابعة لوزارة الثقافة، وفق آلية التعيين نفسها التي وضعتها وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية. وهذا ما تعهّد به سلامة أكثر من مرة أمام زوّاره، وفي إطلالاته التلفزيونية. فالوزير الآتي من خلفية فكرية وثقافية لا تحكمها المحاصصات الطائفية، رفع سقف آمال المعنيين بوزارة الثقافة، بحديثه عن تعييناتٍ خارج القيد الطائفي داخل وزارته، يجب أن تطاول، الشواغر على مستوى مجالس الإدارة والرؤساء في المعهد الوطني العالي للموسيقى، والمكتبة الوطنية، وهيئة المتاحف.
وبحسب معنيين في الملف، كان الموعد الأول لإجراء التعيينات في الصيف، ثم رُحّل إلى ما بين تشرين الأول الجاري وتشرين الثاني المقبل. لكنّ الشكوك حول تطيير الاستحقاق أخذت تتعاظم مع انقضاء تشرين الأول، فيما «التنمية الإدارية» لم تفتح باب الترشّح للراغبين بالتقدّم إلى الوظائف الشاغرة في وزارة الثقافة. بالمتابعة، تبيّن وفق معلومات «الأخبار»، أن سلام «طلب صرف النظر عن التعيينات»، وفُهم أنّ ذلك جاء «بناءً على طلبٍ من الديوان الملكي السعودي بعدم المسّ بهبة القواس على رأس الكونسرفتوار».
في الأصل، يُدير «الكونسرفتوار»، مجلس إدارة من سبعة أعضاء، ورئيس أصيل يعيّنه مجلس الوزراء، على أن يكون من طائفة الروم الأرثوذكس. وبعد وفاة رئيس المعهد بسام سابا عام 2020، عُيّن عضو مجلس الإدارة وليد مسلّم رئيساً بالإنابة، لكنه قدّم استقالته بعد عامٍ واحدٍ فقط، فعُيّنت القواس رئيسة بالإنابة للمعهد. وهي اليوم تديره، مع مجلس إدارة فاقد لنصابه القانوني، يقتصر على عضوين فقط من أصل سبعة، بعدما تقدّم ثلاثة أعضاء باستقالاتهم، (وليد المسلم، وعبده منذر، ومريم غندور)، وتوفي عضو رابع.
وفي حال إجراء التعيينات، لن تكون للقواس حظوظ بالعودة، أولاً لأن المنصب من حصة الأرثوذكس. وفي حال استطاع سلامة تخطّي هذا المعيار، لن يتمكن من تخطّي مسألة أن المدير العام لوزارة الثقافة من الطائفة السنّية، ما يحول دون إمكانية تعيين رئيس للمعهد من الطائفة نفسها. ومع انعدام المخارج أمام سلام لإبقاء القواس في منصبها، قرّر تطيير التعيينات في وزارة الثقافة، إذ لا يُمكن إجراء التعيينات في مديرية دون سواها.
هكذا ستبقى المكتبة الوطنية وهيئة المتاحف والمعهد العالي للموسيقى على وضعها الشاذ، لأن القواس، التي تتفاخر بحيازتها الجنسية السعودية حدّ القول جهاراً بأنّها «مواطنة سعودية من أصول لبنانية»، تريد إبقاء سطوتها على المعهد عبر المال السعودي. وهي تردّد في مجالسها أنّ «السعودية تعطيها المال للصرف على الكونسرفتوار».
ملف القواس، إن استمرّت متابعته، يمكن أن يطاول جوانب متّصلة بإدارتها للمعهد، الذي باتت تتعامل معه كمؤسسةٍ خاصة، فمثلاً يُلاحظ أنّها بدّلت دعوات الأنشطة والأمسيات، من دعواتٍ باسم المعهد إلى دعوات باسمها كمديرةٍ للمعهد. وأضافت شعار شركتها الخاصة (HKI) على دعوات المعهد، كواحدة من الشركات الـ«Sponsor»، في تضارب واضح للمصالح، إضافة إلى شكاوى عديدة من أساتذة وموسيقيين، حول طريقة إدارتها وتعاملها معهم.
يُذكر أيضاً أنّ علاقة القواس مع وزير الثقافة السابق محمد مرتضى، شابها التوتر، بعد أن حاول اتخاذ إجراءاتٍ بحقّها أو إقالتها، فتمّت مواجهته حينها من الإعلام التابع للسعودية، وجرى تطييف الملف.
سيذكر اللبنانيون، أنّه في عهد نواف سلام، كادت السعودية أن تشترط عدّ أنفاسنا، وأنّ رجلاً مثل غسان سلامة، يحلّ النزاعات بين الدول، من غير المسموح له تعيين مديرٍ في وزارته!